لماذا استطاعت فتح السيطرة دون غيرها من الفصائل على منظمة التحرير الفلسطينية؟
فتح تأسست قبل تأسيس م.ت.ف وغيرها، وأطلقت الرصاصة الأولى في 1/1/1965 لتشق طريقا موازيا للمنظمة. كما اعتبرت أنه لم يعد من مسوغ لأي تنظيم فلسطيني بعد تشكل المنظمة إلا إذا تميز عنها بالكفاح المسلح. وشهد العامان 1965 و1967 تحرك عدد من الفصائل باتجاه الكفاح المسلح، ما فتح -موضوعيا- صراعا مع المنظمة بقيادة الشقيري أدى إلى إحراجها.
على أن الخطوة الحاسمة كانت انفراد فتح في قرار خوض معركة الكرامة عام 1968، وكان السياق العام متعطشا لمعركة ضد العدو بعد نكسة 1967 الخطيرة.
وكانت معركة الكرامة على تواضعها عمليا وضخامتها معنويا، وحاجة مصر عبد الناصر بالخصوص إلى إطلاق مقاومة فلسطينية.. كانت كلها عوامل فتحت أبواب منظمة التحرير لتقودها فتح.
يضاف إلى هذا ما تم من تفاهم بين الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وقادة فتح خصوصا ياسر عرفات وصلاح خلف وخليل الوزير. لأن لمصر الكلمة الأولى في تعيين قيادة المنظمة منذ التأسيس حتى الآن.
وإلى جانب ما ذكر فإن التجربة التاريخية أثبتت أن سمات وعقلية قيادة فتح وسياساتها -بما في ذلك السلبيات، وربما في المقدمة السلبيات- بعد العوامل التي أوصلتها لتتبوأ قيادة المنظمة.. كانت مناسبة لما يحتمله الوضع العربي من قيادة فلسطينية.
وتوضيحا أقول: ما كان يسجله أبناء فتح من نقد لسلبيات قيادتهم، وما كانت تسجله عليها الفصائل الأخرى من سلبيات كذلك، كانت (السلبيات) من الأسباب التي جعلت فتح مقبولة من النظام العربي. لكن لو لم يكن الأمر كذلك وكانت فتح تتسم بنضالية أكبر -وهو ما كان يطالبها به منتقدوها عموما محبين أو مخلصين- لما احتملها النظام العربي ولا حتى الدولي، فالمعادلة: إما أن تتأقلم مع الوضع العربي أو تتغير ليتأقلم معها؟
هنا يمكن القول إن من الأسباب التي سمحت لفتح أن تسيطر على منظمة التحرير كل تلك العقود من السنين، أنها كانت الغطاء الذي ناسب "الطنجرة" العربية. فالأنظمة لاقت في فتح غطاءها, وإلا كانت قصة فتح مختلفة، وهو ما تمر حماس بتجربته الآن، علما أن النظام العربي الآن أصعب كثيرا مما كان عليه سابقا.