فتــــــ حركة ــــــح هي رمز إلى حركة التحرير الفلسطينية. تكوّن حروفها الأولى مادة "حتف"، فإذا ما قُلِبَت، أصبحت تكون كلمة "فتح". تأسست الحركة في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، بعد اندماج شبكات عاملة في مخيمات اللاجئين، وتجمعات الطلبة الفلسطينيين في المهجر، والجاليات الفلسطينية النامية في دول الخليج العربي الغنية؛ وهي التي كانت تؤمن بالوطنية الفلسطينية، مناقضةً بذلك الأحزاب المؤمنة بالقومية العربية، التي لا تلبي الطموح الفلسطيني الحقيقي؛ لأنها كانت تطرح صراعات بعيدة كل البعد عن القضية الأساسية، قضية فلسطين.
ويرجع أحد قادة فتح أساس فكرة إنشاء الحركة، إلى تجربة "جبهة المقاومة الشعبية"، ذلك التحالف القصير الأجل، بين الإخوان المسلمين والبعثيين، أثناء الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، عام 1956. ويشير سليم الزعنون، العضو المؤسس في "حركة فتح"، إلى أن تلك التجربة القصيرة، كانت مسؤولة عن وضع جنين الحركة؛ إذ إن نحو 12 شخصاً، من أعضاء "جبهة المقاومة الشعبية"، قد اجتمعوا، في حي الزيتون، في مدينة غزة، حيث وضعوا خطة لتنظيم جبهة في فلسطين، كانت فتح هي صورته النهائية.
وتجمع المصادر على أهمية الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، عام 1956، في تأسيس "حركة فتح"؛ وتَعدّه نقطة التحول في مسيرة النضال الشعبي الفلسطيني؛ إذ وجد الشباب الفلسطيني نفسه، للمرة الأولي، وجهاً لوجه، أمام العدو المحتل؛ فضلاً عن أهمية حرب السويس بعامة، التي كانت هزة عنيفة للفلسطينيين، ومصدر إلهام لما يمكن عمله من أجل فلسطين. لم يكن، إذاً، تأسيس الخلية الأولى، في تنظيم فتح السري، عام 1958، أي بعد عام واحد من نهاية الاحتلال، محض مصادفة؛ وإنما نتيجة لفترة سبقتها.
بعد نشوء دولة إسرائيل، وتشريد الفلسطينيين، أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات؛ وفشل الحكومة العربية لعموم فلسطين؛ وعجز اللجنة العربية العليا، التي يقودها المفتي؛ وغياب تنظيم، يجسد الشرعية الفلسطينية تجسيداً حقاً وفاعلاً؛ والمعاناة التي تسببت بها الأنظمة العربية، وضم الضفة الغربية إلى الأردن؛ كل أولئك، دفع جماعة من الشباب الفلسطيني، في القاهرة، ومعظمهم طلاب، يلتفون حول ياسر عرفات؛ ومنهم أبو يوسف النجار، وأبو إياد (صلاح خلف)، وعبد الفتاح حمود، إلى تشكيل الخلايا السرية. وعن ذلك يقول أحمد محمد حلس: "ولقد رأوا أن ينطلق هذا التنظيم من المصلحة الفلسطينية، والخصوصية الفلسطينية، دون تجاهل البعد العربي للقضية الفلسطينية؛ وأن يكون هذا التنظيم مستقلاً عن الأحزاب السياسية العربية، وأن يكون جميع أعضائه من الفلسطينيين؛ ما دفعهم إلى القول بأهمية أن نأخذ نحن الأمور بأيدينا ".
ويذكر خليل الوزير، وهو أحد القادة المؤسسين لـ"حركة فتح"، أن اللقاء الأول للحركة، كان في النصف الأخير من عام 1957، في الكويت، حيث التقي خمسة فلسطينيين، جاءوا من مناطق مختلفة، وشكلوا القاعدة التنظيمية الأولي، التي كانت على ارتباط مع امتدادات تنظيمية، في كلٍّ من مصر وغزة والأردن وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية وقطَر والعراق.
ويذكر صلاح خلف، أن انطلاقة فتح أو تشكيلها النهائي، قد كان عام 1961، نتيجة لتوحيد معظم الخمس والثلاثين أو الأربعين منظمة فلسطينية، التي كانت قد نشأت في الكويت نشوءاً عفوياً؛ واندماجها في منظمة، كانت قائمة، في كلٍّ من قطَر والمملكة العربية السعودية، ويقودها محمود عباس (أبو مازن)، ومحمد يوسف النجار، وكمال عدوان، الذين أصبحوا أعضاء اللجنة المركزية لـ"حركة فتح"؛ وقد استشهد الأخيران، على يد قوة إسرائيلية، في بيروت، في أبريل 1973.
أما أحد أعضاء اللجنة المركزية، ويدعى خالد الحسن، فيذكر أن تاريخ التوحيد النهائي لقوات فتح الأساسية، قد كان عام 1962؛ وما نشأ قبل هذا التاريخ، لا يعدو كونه جماعات محلية، مستقلة.
إن بدايات "حركة فتح"، قد كانت في الخمسينيات، حينما أغارت الطائرات الإسرائيلية على قطاع غزة، عام 1955، فتظاهر الطلبة في جامعة القاهرة؛ فاستدعاهم الرئيس جمال عبدالناصر، وطلب منهم أن يشكلوا وفداً لزيارة غزة. كوِّن الوفد من ياسر عرفات، وصلاح خلف، وسليم الزعنون، الذين ذهبوا إلى غزة، حيث اجتمع ياسر عرفات، رئيس اتحاد الطلبة، في ذلك الوقت، مع خليل الوزير، الذي كان رئيس تحرير مجلة "فلسطيننا"، التي تكتب في مدرسة خالد بن الوليد. فأجرى رئيس التحرير مقابلة مع ياسر عرفات، وقدم إليه صورة عن الوضع في القطاع؛ وكانت هذه أول مرة، يلتقي فيها الرجلان. ومنذ تلك الفترة، بدأ التخطيط لتنظيم مسلح؛ إذ التقيا، مرة ثانية، في القاهرة، عام 1956؛ ومرة ثالثة، في الكويت، حيث راحا يفكران ويناقشان قضايا شعبهما، وتعاهدا على أن يعملا شيئاً لقضيتهم. وفي اليوم التالي، اجتمعا في منزل عادل عبدالكريم، ومعهم يوسف عميرة، ومحمد شديد، وتعاهدوا على تأسيس حركة. ولم تكن أفكار ياسر عرفات وخليل الوزير وعادل عبدالكريم، بدعاً في المنطقة؛ بل كان هناك جماعات كثيرة، تنادي بالعمل من أجل التوحيد، وتحرير فلسطين.
ومهما اختلف المعاصرون للأحداث، في تاريخ البداية الحقيقية لنشوء "حركة فتح"؛ إلا أن نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، كانت فترة ميلادها الحقيقي.
ويمكن القول، إن أهم العوامل، التي ساعدت على إنشاء "حركة فتح"، هو انفصام الوحدة المصرية ـ السورية، عام 1961؛ وعدم قدرة الدول العربية على منع إسرائيل من استغلال مياه نهر الأردن في ري صحراء النقب؛ وشروع الدولة العبرية في صنع السلاح النووي. وقد أقنعت هذه العوامل مجتمعة الوطنيين الفلسطينيين، ولا سيما رجال فتح، بأن الرياح ليست في مصلحة العرب بعامة، والفلسطينيين بخاصة؛ وأن مواجهة الدول العربية إسرائيل، عسكرياً، هي ضعيفة، بل مستبعدة. ولذلك، شرعت فتح تنشئ قواعدها في الجزائر، عام 1962؛ وفي سورية، عام 1964، حتى استكملت جناحها العسكري، "العاصفة"، والذي كانت باكورة عملياته في الأول من يناير 1965، على أرض فلسطين المحتلة (إسرائيل).
كان مؤسسو "حركة فتح"، يرون أهمية وجود تنظيم قيادي فلسطيني، يجمع الشعب الفلسطيني، ويقوده في معركة تحرير الوطن، معتمداً عليه هو نفسه، سواء في عملية التمويل أو المد الفكري. وألاّ يكون ذا طابع حزبي، ولا موالياً ولا معادياً لأيِّ دولة عربية. تنظيم يكون ارتباطه بالشعب الفلسطيني متجدداً، أساسه التكافل الاجتماعي، والوحدة الوطنية؛ والتعامل مع الدول العربية، بقدر ما تقدمه من إيجابيات للقضية الفلسطينية، سواء في المحافل الدولية أو في محافلها الداخلية.
لقد اتسمت المرحلة الواقعة بين عامَي 1959 و1964، بتوسع "حركة فتح" العددي والتنظيمي، والتي أطلق عليها صلاح خلف مرحلة "إعداد الأطر والكوادر"؛ حيث نشأت مئات الخلايا، على أطراف دولة إسرائيل، في الضفة الغربية وغزة، وفي مخيمات اللاجئين في سورية ولبنان، وكذلك داخل التجمعات الفلسطينية في البلدان العربية الأخرى، وفي إفريقيا وأوربا، بل في الأمريكتَين: الشمالية والجنوبية.
وفي البداية، لم تتلقَّ "حركة فتح" دعماً مالياً، من قبل أيّ حكومة عربية؛ بل كانت تعتمد على أموال ضئيلة من مؤسسيها، اشترت بها أسلحة خفيفة، وسيئة الجودة. وكان من أهم المشاكل، التي واجهت الحركة، عملية إعداد الفدائيين. ويقول صلاح خلف: "كان النظام العربي الوحيد، الذي يؤيدنا، عام 1964، هو نظام بن بيلا، الذي رخص لنا بإقامة ممثلية في الجزائر. غير أن بن بيلا، الذي كان وثيق الصلة بعبدالناصر، كان يرفض إعطاءنا أيّ دعم مادي؛ وإنما تسلمنا أول شحنة من سلاح، من الجزائر، عام 1965، عندما تسلم أبو مدين مقاليد السلطة ". ويتضح من قول أحد رجالات الثورة الفلسطينية، أن عبدالناصر، كان يمد الثورة الفلسطينية، سراً؛ ولا يريد أن يطلع بن بيلا على دعمه لها. وكذلك استفادت "حركة فتح" من دول الخليج؛ وعن ذلك يقول أحد المعاصرين: "إن الحركة كانت بحاجة ماسّة إلى المال... وكان في وسعنا أن نناضل بحُرية أعظم في دول الخليج، حيث مصالح الأمن أقلّ تطوراً، وحيث قادة هذه البلاد أكثر تهيؤاً إزاءنا؛ بخلاف الحال في البلدان المجاورة لإسرائيل